لقد تكلمنا في الدرس السابق
عن حضارات وانبياء بلاد الشام
والان سنتحدث عن
حضارات وأنبياء مصر
بعد طوفان نوح تفرق أبناء نوح كما ذكرنا،
فسام وأبناؤه توزعوا في العراق والجزيرة واليمن وغيرها، أما حام وأبناؤه فانتقلوا
إلى الهند، وبعضهم إلى إفريقيا، فتفرقوا هناك،
فاستقر جماعة البوشمن في جنوب غرب افريقية،
وكانوا وثنيين، فسلط الله عليهم (الهتنتوت) ثم سيطر زنوج البانتو على الأوضاع،
وهناك من لجأ إلى مجاهل وغابات أفريقيا، وسكن البربر في الشمال الغربي.
وسكن المصريون القدماء شمالاً حول نهر
النيل، وكانوا جميعهم على عبادة الأوثان.
الحضارة الفرعونية:
كانت مصر من أخصب مناطق أفريقيا، لذا تكاثر
سكانها، وقامت فيها دولة الفراعنة، التي أدعى حكامها الألوهية، وسخروا الشعب لبناء
الأهرامات الضخمة والتماثيل، وسموها (حضارة) وليست بكذلك.
في هذه الفترة قدم إبراهيم وزوجه ساره إلى
مصر، وأراد فرعون اصطفائها لنفسه، فأنقذها الله منه، فأعطاها هاجر هدية، وأمرهما
بمغادرة مصر (كما ذكرنا سابقاً).
سلط الله على الفراعنة الظالمين رعاة من
بلاد الشام، فقوي أمرهم واخضعوا المنطقة، وأصبحوا ملوكاً، وعرفوا باسم (الهكسوس).
يوسف في بلاد مصر:
في هذه الفترة أقام يوسف وأهله في مصر وكان
يحكمها الهكسوس، وكانوا مثل سابقيهم ظالمين ومستبدين، فرفضوا الحق فسلط الله عليهم
الفراعنة، بعد أن قوي أمرهم على يد (أحمس)، فسيطروا على مصر وامتد نفوذهم إلى حدود
العراق في زمن (تحتمس الثالث) و (رمسيس الثاني) اللذين حاربا الدولة الحيثية في
الشام وقضوا عليها، وزادت الخيرات فزاد كفرهم وفسوقهم.
بدأ الفراعنة في هذه الفترة بقتل ذكور بني
إسرائيل؛ لأن الإسرائيليين أشاعوا أنه سيأتي لهم ابن يقضي على فرعون وقومه.
قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي
الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ
أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}
[القصص: 4].
موسى بن عمران عليه السلام، وعودة بني إسرائيل إلى الشام:
أرسل الله إلى هؤلاء جميعاً موسى، وهو من
بني إسرائيل، وأنجاه الله من الذبح، حيث ألقته أمه بعد ولادته في البحر داخل صندوق
بأمر الله، فوصل إلى قصر فرعون، فاتخذه ولداً عندما أصرت زوجته آسيا على ذلك. وكان
محروماً من الإنجاب. فتربى وشب في قصور فرعون.
قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ
مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا
تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا
وَحَزَنًا} [القصص: 7، 8].
كبر موسى، وكان بفطرته يميل إلى قومه، وحدث
قتال بين قبطي و احد بني إسرائيل فاستنصر بني الإسرائيلي بموسى الذي وكز القبطي
وقتله، (وكان موسى قوي البنية)، وكادت الحادثة تتكرر، فعلم موسى أن خبره انتشر.
قال تعالى:
{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ
فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].
فهرب إلى بلاد مدين. وهناك ساعد فتاتين على
سقي أغنامهما، فعرض عليه أبوهما شعيب أن يزوجه إحدى ابنتيه مقابل أن يعمل عنده (8
- 10 سنوات) فتم ذلك.
وقرر موسى أن يعود بأهله إلى مصر. وفي منطقة
سيناء أوحى الله إليه وبعثه إلى فرعون وملئه، ودعمه بأخيه هارون، وزوده بالمعجزات.
دعا موسى فرعون فكذب وعصى وادعى أنه هو الله.
وأن معجزات موسى (وهي اليد البيضاء والحية)
مجرد سحر. وحدد له يوماً ليجمع له السحرة ليغلبوه.
قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى
(15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) اذْهَبْ إِلَى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
فَكَذَّبَ وَعَصَى ... } الآية [النازعات: 15 - 25].
في اليوم الموعود تغلب موسى على السحرة
وتبين لهم ما كانوا عليه من الباطل فآمنوا بالله. فصلبهم فرعون وقتلهم ثم اشتد
أذاه وبطشه لبني إسرائيل، فعاقبه الله وقومه بالقحط وبالسنوات العجاف فلم يرتدعوا،
وأنزل بهم عقوبات أخرى.
قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ
الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ
مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف: 133].
اشتد ظلم فرعون وطغيانه فأمر الله نبيه موسى
أن يهاجر بقومه إلى الشام، فلحقهم فرعون وجنوده، فألجأوهم إلى البحر، فضرب موسى
البحر بعصاه بإذن الله، فأصبح طريقاً سهلاً فعبر وقومه.
وعندما حاول فرعون وجنده العبور عاد ماءً.
فغرقوا وأهلكهم الله.
وأما موسى ومن معه فقد وصلوا إلى الضفة
الأخرى بأمان.
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى
مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا
لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ
فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ
وَمَا هَدَى} [طه: 77 - 79].
ثم طلب اليهود من موسى طعاماً فأنزل الله
لهم المن والسلوى وواصل المسير بهم حتى وصلوا إلى منطقة جبل سيناء.
صعد موسى الجبل وأقام عليه 40 يوماً، حيث
كلمه الله وأنزل عليه التوراة والوصايا مكتوبة في ألواح من حجر.
ثم عاد إلى قومه فوجدهم يعبدون عجلاً صنعوه
من حليهم الذهبية، فغضب غضباً شديداً، وتخلص منه. وأمرهم أن يقتل بعضهم بعضاً
عقاباً لهم، بأمر من الله.
كما أخبرهم أن الله كتب عليهم التيه والضياع
في صحراء سيناء 40 عاماً.
وتُوفي هارون ثم موسى خلال هذه الفترة كما
ذكرنا سابقاً.
مصر بعد الفراعنة:
بعد هلاك فرعون ضعفت دولة الفراعنة. فاحتل
الفرس مصر سنة 305 ق. م
ثم أخضعها الإغريق بقيادة الإسكندر
المقدوني، ثم حكمها البطالمة، وبعدهم الرومان، وانتشرت فيها النصرانية وعرف سكانها
بالأقباط، واستمروا كذلك حتى جاءهم الفتح الإسلامي، وأنقذهم من الضلال.