لقد تكلمنا في الدرس السابق عن الهجرات البشريه
والان سنتحدث عن
حضارات وأنبياء بلاد الشام
وصل البشر إلى الشام، وتوزعوا على شكل تجمعات متفرقة، أكبرها في غوطة
دمشق وغيرها، وعلى السواحل.
بقية قصة إبراهيم (في الشام):
كان إبراهيم قد قدم من العراق إلى الشام (سكن في بلدة الخليل شرق بيت
المقدس، وجاءت سنوات عجاف فارتحل مع زوجه إلى مصر،
ورآها حاكم مصر فأرادها لنفسه، فطلب منها زوجها أن تقول عنه أنه
أخوها (وهو فعلاً أخوها في الله) خوفاً من أن يقتله الحاكم،
ففعلت، ثم إن الله حماها من هذا الملك فكان كلما أراد لمسها شلت يده،
فعلم حقيقة أمرها وتركها وقدم لها أمة تدعى (هاجر) وأمرهم بالخروج من مصر.
عاد إلى الخليل بالشام واستقر هناك، وأعطته سارة جاريتها هاجر،
وقالت: عسى الله أن يرزقنا منها غلاماً.
ففعل، وحملت هاجر ووضعت ولدها إسماعيل.
فغارت سارة وطلبت منه أن يغيب عنها هاجر وولدها.
فسار بهما بإذن الله جنوباً حتى وصل إلى موضع مكة المكرمة، فتركهما
هناك، ودعا قائلاً:
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي
زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].
عاد إبراهيم إلى الشام وفي مكة عندما نفد الماء عند هاجر أخذت تبحث
عنه، فسعت بين الصفا والمروة سبعاً وهي تفتش،
حتى دلت على مكان زمزم، .. إسماعيل ، وهو يبكي من شدة العطش فانبجس
منه الماء بإذن الله، فاستقر مقامهم.
وهاجرت قبيلة جرهم من اليمن ومرت بمكة فسمحت لهم هاجر أن يقيموا
معهم، ونشأ إسماعيل بينهم.
وسنورد قصة إسماعيل في موضوع جزيرة العرب.
لوط عليه السلام وأهل سدوم:
هو ابن أخ إبراهيم وقد آمن به وهاجر معه إلى الشام، وأقام ببلدة سدوم
جنوب البحر الميت ، فبعثه الله إليهم وكانوا يعدون من أفجر الناس وأكفرهم،
وابتدعوا فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين وهي إتيان الذكور .
قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ
مُسْرِفُونَ (81} [الأعراف: 80، 81].
أرسل الله إلى لوط ملائكة في هيئة بشر، فهرع الكفار إليهم يريدون
الفاحشة لهم، فصدهم لوط
{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ
رَشِيدٌ} [هود: 78].
طمأنته الملائكة وأمرته بمغادرة البلدة مع أهله ليلاً لينزل الله بهم
العذاب صبحاً. قال تعالى:
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً
عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83].
عودة إلى بقية قصة إبراهيم
بشر الله إبراهيم بولد من سارة (بعد إسماعيل بـ 13 سنة) وكان إبراهيم
قد بلغ من العمر عتياً (عاش إبراهيم 175 عاماً) وزوجه عجوز عقيم، وكانت البشرى عن
طريق الملائكة، وهم في طريقهم إلى قوم لوط ليهلكوهم {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ
وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71].
إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام
هو ولد إبراهيم، وقد نشأ في منطقة الخليل. ورزق بيعقوب. (وهو
إسرائيل) عاش 180 عاماً وتابع دعوة أبيه إبراهيم بعد موته.
يعقوب بن إسحاق عليهما السلام
هو ولد إسحاق، وقد هاجر إلى حران (شمال بلاد الشام) وتزوج هناك،
ورزقه الله باثني عشر ولداً منهم يوسف
عليه السلام وبنيامين (شقيقان).
تابع دعوة أبيه إسحاق وجده إبراهيم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، عاش 147
عاماً.
يوسف بن يعقوب عليهما السلام
وانتقال بني إسرائيل إلى مصر:
هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، كان يعقوب يحب أبناءه الصغار
بنيامين ويوسف أكثر من غيرهما عطفاً عليهما، لوفاة أمهما (راحيل).
وحدثت ليوسف القصة المشهورة، وملخصها:
أن إخوته حسدوه، لحب أبيه له، فقرروا التخلص منه، أرسله أبوه معهم
بعد إلحاح شديد،
فخرجوا به وألقوه في الجب (البئر)، وعادوا إلى أبيهم يبكون، وادعوا
أن الذئب أكله،
مرت قافلة متجهة من الشام إلى مصر، فاستخرجوه وأخذوه إلى مصر وباعوه
هناك.
واشتراه (عزيز مصر) وربَّاه، وشب يوسف وكان في غاية الجمال والبهاء،
فراودته امرأة العزيز عن نفسه، فامتنع،
ثم ادعت أنه راودها عن نفسها، وقد اقتنعوا جميعاً بصدقه وكذبها، ومع
ذلك أدخلوه السجن وبقي فيه بضع سنين.
وأخرجه الحاكم بعد ما فسر له الرؤيا التي رآها وبعد أن اعترفت امرأة
العزيز بذنبها،
ورأى الحاكم فيه القدرة على إدارة الأعمال فولاه الخزانة والتصدير،
فكان يبيع القمح للبلاد المجاورة التي كانت تعاني من القحط والجدب.
وهذا يدل على مدى الرخاء والخصب في أرض مصر في تلك الفترة.
وجاءت قوافل الشام تشتري الحبوب ومعهم إخوة يوسف فعرفهم ولم يعرفوه،
فباعهم وطلب منهم إحضار أخيهم المرة القادمة.
ثم عادوا وأخبروا أباهم فرفض، ولم يوافق إلا بعد إلحاح شديد، فذهبوا
إلى مصر واشتروا، وأثناء عودتهم قبض عليهم واتهموا بسرقة صواع الملك.
وفتشوا فوجد في رحل بنيامين فأخذه يوسف وكان كل ذلك بتدبير منه.
وعادوا فأخبروا أباهم فحزن حزناً أفقده بصره، وأمرهم بالبحث عن يوسف وأخيه.
ذهبوا إلى مصر، فعرفوا يوسف، وعفا عنهم، وطلب منهم أن يعودوا ويأتوا
بأهلهم جميعاً ففعلوا، وهكذا انتقل بنو إسرائيل إلى مصر، وكان عددهم لا يزيد على
المائة وبقوا فيها 500 عام، ثم غادروها مع موسى وهم أكثر من 1600 رجل عدا الذراري.
وقصة يوسف بتمامها مذكورة في القرآن في سورة يوسف.
الأحوال في بلاد الشام وبعض أنبياء وحضارات هذه الفترة:
حصلت هجرات كثيرة إلى بلاد الشام من العراق أو الجزيرة، وتوزع
المهاجرون في المناطق الخصبة،
فقامت الدولة العمورية في المناطق الشمالية
وقامت الدولة الفينيقية على سواحل البحر المتوسط،
والدولة الكنعانية في فلسطين وما حولها.
ولقد أشركوا جميعاً بالله، وعبدوا الأصنام، فأرسل الله إليهم كثيراً
من الرسل فلم يجدوا إلا التكذيب والتمادي في الكفر، فمنهم:
أيوب عليه السلام:
أرسله الله إلى بني إسرائيل، وكان كثير المال والأهل، فسلب منه ذلك،
وابتلي في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله
بهما،
وتخلى عنه الجميع، إلا زوجته، وألقي في المزابل خارج البلدة ،
واستمر ابتلاءه 18 عاماً، وكان ذلك امتحان وابتلاء له من الله.
ثم شفاه الله. قال تعالى:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ
وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83، 84].
واستمر يتنقل في شمال سوريا يدعو إلى عبادة الله.
اليسع عليه السلام
من أنبياء بني إسرائيل {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا
الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} [سورة ص: 48].
إلياس عليه السلام
أرسله الله إلى بعض بلاد الشام (تذكر بعض المصادر أنه بعث إلى أهل
بعلبك ولبنان) وكانوا يعبدون صنماً اسمه بعل فدعاهم إلى عبادة الله فكذبوه.
قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ
قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ
أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 123 - 125].
نلاحظ أن الأنبياء كثيرون لهذه الأقوام ولا نعرف إلا بعضهم المذكورين
في القرآن. كما أن المؤمنين بهم كانوا قليلين جداً.
يوشع بن نون عليه السلام:
هو الذي قاد بني إسرائيل بعد موسى ويعتقد أنه المقصود بقوله تعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} وكان هارون
عليه السلام تُوفي وبنو إسرائيل ما
زالوا في التيه والضياع الذي كتبه الله عليهم في صحراء سيناء.
وتُوفي موسى عليه
السلام أيضاً في تلك الفترة.
وقد استمرت 40 عاماً (وسيأتي ذكر قصة موسى في موضوع مصر).
المهم أن من بقي منهم خرج مع يوشع، فذهبوا إلى بيت المقدس ونظم يوشع
جيشاً من بني إسرائيل وقسمه إلى 12 قسم حسب الأسباط،
أبناء يعقوب (إسرائيل) واستطاع أن يفتح بهم أريحا ثم بيت المقدس ثم
لبث فيهم 27 سنة يحكم بكتاب الله التوراة، وبعد موته عادوا إلى ضلالهم وفسادهم.
في هذه الفترة جاءت جماعات أخرى من الجزيرة العربية واستقروا في
سوريا وهم (الآراميون) وأسسوا ممالك قوية في دمشق وحماة وغيرها. وقد عبدوا
الأصنام.
وأشهر أصنامهم: عشتار وأدونيس.
حزقيل بن بوذي عليه السلام
تولى أمر بني إسرائيل بعد يوشع بن نون ولم يطل عهده. وتفرقت بعده بنو
إسرائيل وضعف أمرهم، فكانوا يفسدون في الأرض ويقتلون أنبيائهم، فسلط الله عليهم
الأعداء، وبدل الأنبياء بملوكاً جبارين طغاة، فسفكوا دمائهم ظلماً وعذبوهم وتغلب
عليهم أهل غزة وعسقلان،
وسلبوا منهم التابوت المقدس (الذي يحتوي على رفات يوسف عليه السلام)،
ثم انقطعت النبوة في بني إسرائيل وانقسمت دولتهم واستمروا على ذلك 400 عام
تقريباً، إلى أن بعث الله إليهم بعد ذلك شمويل نبياً.
شمويل عليه السلام
طالبه بنو إسرائيل بالقتال وأن يعين عليهم ملكاً ليقاتلوا تحت
قيادته، فاختار لهم طالوت
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ
طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ
أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ} [البقرة: 247].
فماطلوا في البداية لفقر طالوت. قال تعالى:
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ
التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى
وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 248]. فلما تحققت تلك
المعجزة، انصاعوا وانضووا تحت قيادته.
حدث القتال بين بني إسرائيل وبين العمالقة بقيادة جالوت في مرج الصفر
(جنوب دمشق) واستطاع داوود عليه
السلام أن يقتل جالوت الجبار بواسطة حجارة
ومقلاع فقط.
وكان داود غلاماً حدثاً في جيش طالوت. قال تعالى:
{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا
أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ
الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ
وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة:
250، 251].
داوود عليه السلام
اشتهر داوود بين قومه، وكان طالوت قد وعد أن من يقتل جالوت يعطيه نصف
ملكه، ويزوجه ابنته،
لذا اضطر أن يتنازل عن الملك لداود، ويزوجه ابنته، فآتاه الله النبوة
إضافة إلى الملك.
فأقام شريعة الله فيهم وأنزل الله عليه كتاب الزبور. قال تعالى:
{وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}، وأكرمه الله بمعجزات. قال تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي
مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10].
وكان مجاهداً في سبيل الله، كثير العبادة، وكان لا يأكل إلا من عمل
يده وكان عمله حداداً.
وخلفه في الملك والنبوة ابنه سليمان.
كانت فترة داوود وسليمان هي فترة الرخاء والاستقرار الوحيدة التي قدر
للشعوب العبرانية أن تعيشها على مر الدهر كله.
سليمان عليه السلام
تابع جهاد والده ووصل إلى دمشق، وأخضع اليمن وأذل حكامها من
السبئيين، وتزوج ملكتهم بلقيس، وقد أبقاها على اليمن خاضعة له،
وقد آمنت بالله مع أكثر قومها بعد أن كانوا يعبدون الكواكب والشمس،
ومن أعماله تجديد بناء المسجد الأقصى (شيده يعقوب أو أبوه إسحاق بعد
بناء الكعبة بأربعين عاما). قال تعالى:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ
الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16].
ودعا سليمان لنفسه فقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي
مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [سورة ص: 35]،
فاستجاب الله له وسخر له الريح والإنس والجن وعلمه لغة الحيوان.
قال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً
حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ
مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [سورة ص: 36 - 38].
استمر في ملكه 20 عاماً يقيم شريعة الله في الأرض، وبعد موته خلفه
ابنه، وضعف بنو إسرائيل من بعده وزاد فسادهم.
شعيا بن أمصيا عليه السلام
هو من أنبياء هذه الفترة، وقد حاول الكلدان دخول بيت المقدس بقيادة
ملكهم سنحاريب. فأهلكهم الله بدعاء هذا النبي. فلم يزداد اليهود إلا شراً وفساداً
فقتلوا نبيهم شعيا.
بعث الله بعده النبي أرميا بن حلقيا عليه السلام وغيره من الأنبياء
فاستمر اليهود في تكذيب أنبيائهم وقتلهم.
ملاحظة: الأحداث والأسماء التي لم ترد في القرآن الكريم أو الحديث
النبوي مأخوذة من الإسرائيليات المدونة في قصص الأنبياء وتفسير القرآن لابن كثير.
وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " (1)،
وقال: " ما حدثكم به أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم "
(2). كما قال عليه الصلاة والسلام.
خراب بيت المقدس
سلط الله على اليهود الملك الكلداني (البابلي) بختنصر (نبوخذ نصر)
فهدم بيت المقدس وقتلهم وشردهم، ومن ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل في الأرض،
وسكنوا في الحجاز ومصر وغيرها
بعدها قضى الفرس على الكلدانيين، واستولوا على الشام ومصر.
عودة إلى بقية تاريخ بني إسرائيل
ضعف الكلدان بعد موت بختنصر، فعاد بنو إسرائيل إلى بيت المقدس
وعمروه، ولكن بقوا ضعفاء بسبب تكذيبهم وقتلهم لأنبيائهم، وانتشار المنكر بينهم،
فخضعوا وذلوا للفرس ثم للإغريق ثم للرومان.
زكريا وابنه يحيى عليهما السلام
وهم من أواخر أنبياء بني إسرائيل، ولم يجدوا من قومهم إلا التمادي في
الطغيان والضلالة.
واستمرا في الدعوة إلى الله حتى كان مقتلهما عليهما السلام
على أيديهم. قال تعالى:
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ
نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7].
وقال: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ
الصَّالِحِينَ} [الأنعام: 85].
عيسى عليه السلام
وهو آخر أنبياء بني إسرائيل، ولد في بيت لحم بفلسطين، والدته هي مريم
العذراء، التي تربت في بيت النبي زكريا (زوج خالتها)،
وعرفت بالعفة والطهارة، حملت به من غير أب بإذن الله.
فكانت المفاجأة مخيفة لها، فاتهمها قومها في عفتها فأشارت إليه، قال
تعالى:
{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ
جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ
سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ
نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ
آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا
كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 27 -
31].
أقام في الناصرة في فلسطين. وأخذ يدعوا إلى عبادة الله، وآتاه الله
كتاب الإنجيل، وكان يعظ كل من يلتقي به، وكان من معجزاته، شفاء المرضى وإبراء
الأكمه والأبرص وإ حياء الموتى بإذن الله
ولازمه
الحواريون في الدعوة وقد أرسل مجموعات منهم إلى باقي بلاد الشام
للدعوة.
تآمر بنو إسرائيل على قتله، فسلموه إلى حاكم فلسطين الروماني
(بيلاطس)، فأراد القضاء عليه صلباً.
ولكن الله نجاه، حيث شبه لهم بغيره. ورفعه الله إليه.
نكَّل قياصرة الروم ومعهم بنو إسرائيل بأتباع السيد المسيح، فضعف
أمرهم كثيراً، وزاد الأذى في عهد نيرون الذي اتهمهم بإحراق روما حوالي عام 558 ق.
م/80 م.
هاجر قسم منهم إلى الحجاز وما حولها ثم أخذت النصرانية تنتشر حتى
أصبحت ديانة الدولة الرومانية.