لقد تكلمنا في الدرس السابق عن بدء الخليفه
والان سنتحدث عن
الهجرات البشرية:
تكاثر السكان بجزيرة العرب (في الحجاز على أكثر الاحتمالات)
فأخذوا يهاجرون منها وكانت
الهجرات تأخذ الاتجاهات التالية:
1 - نحو الشمال الشرقي: حيت استقروا في العراق، ثم واصلت جماعات منهم
إلى آسيا وأمريكا.
2 - نحو الشمال: باتجاه الشام ثم انتقلت جماعات إلى مناطق البحر
المتوسط.
3 - نحو الجنوب: باتجاه بلاد اليمن، ومنها هاجرت جماعات إلى أفريقيا
والهند.
وسنلاحظ أن كل الأنبياء خرجوا من جزيرة العرب والشام والعراق ومصر،
فهي كانت أول المناطق المعمورة على الأرض.
ممالك وأنبياء العراق
بعد تكاثر السكان في جزيرة العرب هاجرت مجموعات نحو الشمال الشرقي،
واستقرت في العراق وعملوا بالزراعة، وكانوا يعبدون الله ثم ما لبثوا أن عبدوا
الأصنام.
دعوة نوح عليه السلام (أول الرسل):
بعث الله إلى هذه الأقوام نوحاً، كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم
على دين الحق {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213]
ثم صاروا إلى الفساد، وكانت بداية عبادة الأصنام أنه كان من قوم نوح
رجال صالحين، وبعد موتهم قال أتباعهم (بوحي من الشيطان) لو صورناهم كان أشوق لنا
إلى عبادة الله، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، أخبرهم إبليس أنهم كانوا
يعبدونهم فعبدوهم،
فأشهر أصنامهم (ود وسواع ويعوق ونسر).
دعاهم نوح إلى عبادة الله ونبذ عبادة الأوثان، وبذل كل الأسباب
لإقناعهم، فلم يجد إلا الصد والكفران، ولم يؤمن معه إلا القليل؛ بالرغم من أنه لبث
فيهم 950 سنة.
قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ
عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ
يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ
لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا
ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح: 5 - 7].
فلما يئس منهم دعا عليهم {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26].
فلبى الله دعوته وأمره بصنع الفلك وهي السفينة العظيمة
{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا
وَوَحْيِنَا} [المؤمنون: 23]،
وحمل معه من آمن به، ومن الحيوانات من كل زوج اثنين، استمر القوم في
الفساد والسخرية منه ومن سفينته.
فلما انتهي حصل الطوفان العظيم وامتلأت الأرض بالمياه، تحركت السفينة
شمالًا
{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}
[الحاقة: 11]
فأهلك الله القوم الكافرين،
ثم رست السفينة على جبل الجودي (جبل أرارات في شرق تركيا اليوم) فخرج
الركاب واستقروا هناك وبدأت زيادة السكان من جديد،
ثم تفرق أبناء نوح، فهاجر سام وآبناؤه باتجاه جزيرة العرب،
واتجه أبناء حام جنوباً نحو العراق وما جاورها،
وتحرك يافث وذريته شرقاً وجزء منهم غرباً
وتفرق آخرون في اتجاهات متباينة.
الدولة السومرية (العراق):
استقرت مجموعة في ناحية من العراق يعرف بسهل شنعار، فعظم شأنهم،
وعرفوا بالسومرين عملوا بالزراعة، وبنوا السدود، أقام بجانبهم قوم عرفوا
بالأكاديين وعاصمتهم (أكاد)، وانتقل بعضهم إلى المرتفعات الشرقية من هذه البقعة،
وبنوا مدينة (سوزا) وهم العيلاميون، وكان السومريون أكبر قوة في المنطقة، ومن أشهر
ملوكهم (سرجون)، ومن مدنهم الشهيرة (أور)، عبدوا التماثيل والكواكب وتمادوا في
غيهم وضلالهم، فبعث الله إليهم نبيه إبراهيم وهو من مدينة (أور).
إبراهيم عليه السلام:
هو من ذرية سام بن نوح أرسله الله إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله
فجادلهم وناقش ملكهم (النمرود) الجبار المتغطرس الذي كان يدعي الألوهية.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي
رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي
يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ
اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة: 258].
حطم إبراهيم أصنام قومه في غيابهم، وجعل الفأس في رأس كبيرهم ليبين
لهم عجزها وبطلانها
{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ
يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58].
تبين للقوم عجزها ومع ذلك استمرو في غيهم وضلالهم، وقرروا حرقه،
قال
تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ
(68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:
68، 69].
بعد كل هذا الجهد لم يؤمن به إلا زوجه سارة ولوط ابن أخيه، فهاجر بهم
إلى بلاد الشام.
الدولة الأكادية والبابلية (في العراق)
أما السومريون، قوم إبراهيم فقد زاد غيهم وضلالهم فسلط الله عليهم
جماعات ظالمة تغلبت عليهم
{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129]
فسيطر الأكاديون على المنطقة. ثم أتت جماعات من الجنوب
الغربي،فانتصروا عليهم، وحكموا المنطقة، وجعلوا عاصمتهم (بابل)، فعظمت دولتهم، وقد
اهتموا بالزراعة والعمران،
ومن أشهر ملوكهم (حمورابي) الذي وضع قوانين عرفت بـ (شريعة حمورابي)
وهي أول قوانين بشرية وضعية على الأرض لغرض الهيمنة والسيطرة، وقد سقطت من بعده.
استمروا في عبادة التماثيل والكواكب فسلط الله عليهم أقواماً
أهلكتهم، جاءوا من الشمال، منهم الحيثيون والميتانيون ثم الآشوريون.
الدولة الآشورية (العراق)
سيطر الآشوريون على تلك المناطق (شمالي العراق) وكانت عاصمتهم
(نينوى)
ثم امتد نفوذهم إلى كل العراق وبلاد الشام وأجزاء من مصر،
وأشهر ملوكهم
(سلمنصر الثالث) و (آشور بانيبال) واستمروا في عبادة الأوثان،
ولم يتعظوا بما حل
بسابقيهم. ولم يعملوا عقولهم، أرسل الله إليهم نبيه يونس عليه السلام.
يونس عليه السلام:
أرسله الله إلى أهل نينوى، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، فلم
يؤمنوا فضاق بهم ذرعاً، وغضب، وسافر في سفينة في نهر دجلة، فأراد الله أن يعطيه
درساً لعدم صبره اضطربت السفينة،
وكادت تغرقا فقرر من من عليها أن يقترعوا على من يرمونه في البحر
تخفيفاً (حسب العادة المتبعة عندهم)،
فوقعت القرعة على يونس لثلاث مرات، فرموه في البحر والتقمه الحوت
بأمر الله،
فندم يونس على فعله وتسرعه وتاب إلى ربه فغفر له. قال تعالى:
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِيبَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 139 - 145].
عاد إلى قومه، فدعاهم، وكانوا قد ندموا على عنادهم، وتابوا إلى الله
(1). قال تعالى:
{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ
الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].
حضارة الدولة الكلدانية (البابلية الثانية)
أصبح الكلدانيين حكام المنطقة، وأعظم ملوكهم كان (بختنصر) الذي
استولى على بلاد الشام، ودمر القدس، واستباح اليهود وسلبهم ملكهم، فأهلكهم وشردهم
وأسرهم، ومنذ ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل وتشتتوا في أنحاء الأرض، واستقر جماعات
منهم في الحجاز ومصر وغيرها.
واحتل بختنصر مصر، ومن أشهر أعماله بناء برج بابل المشهور، واستمرت
هذه الدولة حتى قضى عليها الفرس واحتلوا المنطقة حوالي عام 1161 ق. هـ/504 ق. م.
حضارة الدولة الفارسية:
ويعود الفرس في أصلهم إلى العراق، فهاجروا شرقاً، وعمروا فارس، فلما
قويوا غزوا الكلدانيين كما ذكرنا وسيطروا على مصر والعراق.
فبقيت مصر في حكمهم إلى أن احتلها الإسكندر المقدوني (الحاكم
الإغريقي).
أما العراق فقد بقيت تحت سيطرة الفرس حتى الفتوحات الإسلامية.