لقد تكلمنا في الدرس السابق عن
الحجاز
موجز التاريخ القديم (قبل الإسلام):
خلق الله البشر وبعث الرسل، لعبادته،
وإقامة شريعته في الأرض.
وكان آدم هو أول البشر وأول
الأنبياء.
تتابعت الحضارات وتوالى الأنبياء
والرسل وأقدم الحضارات ظهرت في العراق ومصر والشام وجزيرة العرب.
أهم حضارات العراق:
السومرية، الأكادية، العيلامية، البابلية،
الآشورية، والكلدانية.
وأنبياء هذه البلاد: نوح وإبراهيم ويونس عليهم
السلام.
وأهم حضارات الشام:
العمورية، الفينيقية، الكنعانية، الآرامية، ثم
حضارة الأنباط وتدمر، ثم الغساسنة والمناذرة.
وأغلب الأنبياء والرسل ظهروا في بلاد
الشام، فمنهم: لوط، إسحاق، يعقوب، أيوب، اليسع، يس، إلياس، داود، سليمان، زكريا،
يحيى وعيسى عليهم السلام، وهم من بني إسرائيل وأرسلوا إليهم وإلى غيرهم.
وقامت في مصر الحضارة الفرعونية وحضارة
الهكسوس،
وظهر فيها من الأنبياء يوسف، موسى عليهما
السلام.
وظهر في جزيرة العرب قوم عاد وثمود
وأهل مدين، وحضارات اليمن (معين، سبأ، حمير قتبان) والقبائل المهاجرة بعد انهيار
سد مأرب، والأحباش وذرية إسماعيل بن إبراهيم.
وأنبياء جزيرة العرب هم: هود، صالح، شعيب،
إسماعيل عليهم السلام.
وظهرت حضارات أخرى وسادت على وجه الأرض
كحضارة الفرس ثم الإغريق ثم الرومان.
النتيجة:
معظم هذه الممالك والجماعات كذبت
برسلها، وتمادت في غيها وانحرافها، وما آمن إلا قليل.
ثم بعث الله آخر رسله (محمد صلى الله عليه وسلم) إلى البشر كافة في جميع
أصقاع الأرض وعلى يديه كانت هداية البشرية الضالة.
السيرة النبوية
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]
وصل البشر في فترة انقطاع الرسل (بين
عيسى ومحمد) إلى درجة كبيرة من التخبط والضياع،
فكانت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي جامعة الرسالات
وخاتمتها، وناسخة لما قبلها، وكانت لبني البشر كافة
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً
لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28].
وهي لكل زمان ومكان، لذا لا بد أن يكون
صاحبها على درجة تؤهله لحمل هذه الرسالة، فاختاره الله بمميزات خاصة.
مميزات محمد صلى الله عليه وسلم
1
اختاره الله من العرب وهي أمة وسط، وجعله في قريش أفضل قبائل العرب، وجعل
نسبه في أشرف قريش (بنو هاشم).
2
بلاده في موقع وسط، يمكن أن تنطلق منها الدعوة إلى جميع الجهات.
3
اختاره الله من أمة قل أنبياؤها، لتكون له قيمة عظيمة.
4
بعثه الله على فترة متباعدة من الرسل، لتتهيأ له النفوس، وتنتظره.
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} [المائدة:
19].
5
أخبر الله في الكتب السماوية بمبعث محمد.
6
اختاره الله من شعب أقرب إلى البداوة التي لم تفسده المدنية والحضارة.
7
اختاره الله من شعب أمي، لم يعرف الفلسفة والمعارف والعلوم.
8
جعل الله سيرته معروفة تماماً بكل تفاصيلها، حتى يكون قدوة لغيره.
9
سيرته جامعة تشمل جميع نواحي الحياة.
10
سيرته عملية، وواقعية، ويستطيع الناس ممارستها في كل زمان ومكان.
النشأة الشريفة
فترة الطفولة:
نسبه
صلى الله عليه وسلم: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (قريش) بن مالك بن النضر
بن كنانه. من ولد نزار بن معد بن عدنان وهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم،
وأمه آمنة بنت وهب الزهرية القرشية.
مولده: ولد في مكة، في عام الفيل حوالي
عام 570 م/52 ق. هـ وهو نفس العام الذي حاول فيه أبرهة حاكم اليمن هدم الكعبة
فأهلكه الله وجنده بالطير الأبابيل التي رمتهم بحجارة من سجيل، والقصة في سورة
الفيل.
تُوفي أبوه وهو جنين لم يخرج للدنيا
بعد، وبعد مولده سماه جده عبد المطلب محمداً،
أخذته حليمة السعدية إلى مضارب بني سعد
وتولت رضاعته،
ثم توفيت والدته قبل أن يكمل ست سنوات.
لقد شاء الله فيما يبدو أن يتولى هو
تربية محمد، وأن ينزعه من أسرته ليصبح في رعاية الله تمهيداً للأسرة الكبيرة التي
سيكون محمد زعيمها.
وقد عبر القرآن عن هذا المعنى في قوله
تعالى:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}
[الضحى: 6].
وقال الرسول
صلى الله عليه وسلم عن نفسه:
" أدبني ربي فأحسن تأديبي ".
رعاية جده عبد المطلب:
هو من سادات
قريش.
وهو الذي أعاد حفر بئر زمزم، ونازعته قريش، فعز
عليه ذلك،
ونذر إن رزقه الله بعشرة بنين وبلغوا أن يمنعوه
أن ينحر أحدهم لله، فلما تحقق ذلك، وقع الاختيار على عبد الله (والد الرسول صلى الله عليه وسلم)، فأراد التنفيذ، فمنعته
قريش، واقترع إبلاً بدلاً من عبد الله حتى وصل عددها إلى المائة فنحرها وفدى عبد
الله،
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه:
" أنا ابن الذبيحين " عبد الله
وإسماعيل.
تولى جده رعايته حتى بلغ الثامنة، فتُوفي،
فتولى عمه أبو طالب رعايته.
رعاية عمه: تولى رعايته منذ الثامنة من
عمره، وإلى السنة العاشرة من البعثة. وكان عمه قليل المال، كثير العيال، فعمل
راعياً ليساعده،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما بعث الله نبياً
قط إلا رعي الغنم،
فقالوا: وأنت؟ قال: نعم كنت أرعاها على
قراريط لأهل مكة ".
لما بلغ الثانية عشر من عمره خرج به
عمه إلى الشام في تجارة، فرآه بحيرا (الراهب) وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام
خوفاً عليه من اليهود، حيث سيكون له شأن عظيم،
فأعاده وازداد حرصه عليه.
واستمر محمد
صلى الله عليه وسلم بعدها في رعي
الغنم.
مرحلة الشباب
شارك مجتمعه في الأمور العامة:
1 حروب الفجار:
جرت بين قريش وقيس في الأشهر الحرم،
وشارك بها وهو في سن العشرين.
2 حلف الفضول:
تعاهدت فيه قريش ألا تجد بمكة مظلوماً
إلا نصروه، واشترك مع عمومته في ذلك الحلف.
3 التجارة والزواج:
لما بلغ الخامسة والعشرين، خرج إلى
الشام في تجارة لخديجة وبعد عودته طلبته للزواج، لما رأت فيه من رجولة وصدق
وأمانة،
فتزوجها، فهي أول زوجاته، وأم أبنائه،
وأول امرأة أسلمت،
ولم ينكح عليها غيرها في حياتها،
أمره جبريل: " أن يقرأ عليها
السلام من ربِّها عز وجل، ويبشرها ببيت في الجنة من قصب " ولها فضائل كثيرة
رضي الله عنها.
4 تحنثه في غار حراء:
حبب إليه صلى الله عليه وسلم الخلاء
فكان يكره أوثان قومه، فيخلو بغار حراء يتعبد ويتفكر في هذا الكون، أنبته الله
نباتاً حسناً فكان أفضل قومه في خلقه حتى أطلقوا عليه: " الصادق الأمين
".
5 سلوكه صلى الله عليه وسلم وأخلاقه:
وقد عُرف محمد صلى الله عليه وسلم في
جميع مراحل حياته بالخلق الطيب والبعد عن الشبه والخمر ومجالس اللهو.
تقول عائشة رضي الله عنها: " كان
خلقه القرآن ".
6 بناء الكعبة:
لما بلغ الخامسة والثلاثين، قامت قريش
ببناء الكعبة من جديد لما تضعضعت فتجزأتها القبائل بينها، فبنوا حتى بلغوا موضع
الحجر الأسود، فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد رفعه إلى موضعه،
ثم اتفقوا أن يحكموا بينهم أول داخل
إلى المسجد، فكان محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمر بإحضار ثوب، وأن ترفع كل قبيلة
بناحية، ففعلوا، حتى إذا بلغوا موضعه، أخذه ووضعه بيده الشريفة، وبنى عليه، وكان
ينقل معهم الحجارة.
7 ديانة أهل مكة:
كانوا يعبدون الأصنام وكان يعبدها معظم
سكان جزيرة العرب،
وأول من أدخلها إلى مكة هو عمرو بن لحي
الخزاعي عندما كانت خزاعة تحكم مكة، وقد أحضرها من الشام، فعبدها أهل مكة، ثم
عبدتها العرب، ولم يبق من دين إبراهيم سوى تعظيم البيت.
البعثة
بدء الوحي:
قالت عائشة رضي الله عنها: " أول ما بدأ برسول الله
من الوحي:
الرؤيا الصادقة، فلا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق
الصبح،
ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار
حراء فيتحنث فيه ".
جاءه جبريل وهو يتحنث بالغار، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فكررها. ثم قال في الثالثة:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي
خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ
... } الآية [العلق: 1 - 19].
فرجع إلى خديجة مسرعاً يرجف فؤاده وهو يقول:
زملوني .. زملوني. فطمأنته، وأكدت له
أن ربه لن يخذله لكرم خلقه، وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر في
الجاهلية.
فأخبراه. فقال: " هذا الناموس الذي أنزل
الله على موسى.
ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك ".
كان ذلك في رمضان 13 ق. هـ.
انقطع
الوحي 40 يوماً،
فحزن الرسول
صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد إليه جبريل جالساً على كرسي بين السماء والأرض
في هيئته الحقيقة، فارتعب صلى الله عليه
وسلم ، وعاد إلى خديجة وهو يقول: " دثروني. . دثروني. فأنزل الله:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} .
فتتابع الوحي بعدها.
أنواع الوحي وتدرج الرسالة:
على شكل رؤيا أو الإلقاء في الروع، أو
يتمثل له رجلاً فيخاطبه أو يأتيه مثل صلصلة الجرس (وهو الأشد عليه)، أو على صورته
الحقيقية (وهذا حصل مرتين)، وما أوحى الله إليه فوق السموات ليلة المعراج.
وقد تدرجت الرسالة، فنبأه الله بـ
(اقرأ) ثم أرسله بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} فأمره أن
ينذر أقاربه، ثم قومه، ثم العرب ثم العالمين.
مراحل الدعوة
الدعوة في مكة:
المرحلة السرية (الفردية):
كان أول من آمن به من الرجال صاحبه أبو
بكر الصديق،
ومن النساء زوجه خديجه بنت خويلد،
ومن الصبيان علي بن أبي طالب.
ومن الموالي زيد بن حارثة.
استمرت هذه المرحلة ثلاث سنين. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بالمؤمنين في دار الأرقم بن أبي الأرقم
يعلمهم أمور دينهم،
وبدأت عداوة قريش فحمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعمه أبي طالب.
وأما أصحابه فمن له عشيرة أو جيرة حمته، وأما
الآخرين فقد تعرضوا لأشد أنواع العذاب فكان أمية بن خلف يلقي عبده بلال على رمضاء
مكة في شدة الحر، ويقول له اكفر. فلا يزيد أن يردد: أحدٌ .. أحدٌ.
وكان أبو جهل يسوم عمار و والديه سوء العذاب حتى
قتل أمه سمية، فكانت أول شهيدة في الإسلام.
وكان الرسول
صلى الله عليه وسلم يقول لهم:
" صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ".
وكان أبو بكر يشتري العبيد المعذبين فيعتقهم،
فأعتق بلالاً، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، وغيرهم.
الدعوة الجهرية (العامة):
أنزل الله {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
فصعد الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى الصفا ودعا
جماعته، فقال:
" أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد
أن تغير عليكم أكنتم مصدقي، قالوا: نعم. ما جربنا عليك كذباً.
قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
" ثم دعاهم إلى الإيمان بالله.
فقال عمه أبي لهب: تباً لك. ألهذا جمعتنا؟،
فأنزل الله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ ... } السورة [المسد: 1 - 5].
أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو أقاربه وجماعته. ثم أنزل الله: {فَاصْدَعْ
بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94].
فدعا الناس عامة.
مقاومة قريش للدعوة:
أسباب المقاومة:
كان الصراع في الجزيرة يدور لأتفه
الأسباب. وظهور دين جديد يهاجم معتقداتهم سبب وجيه لمحاربته.
لم تفرق قريش بين النبوة وبين السيادة
والملك. وظنوا أن الدين الجديد يسلم الزعامة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
ولأن الإسلام ساوى بين السادة والعبيد
وهذا ما لم يتقبلوه.
إنكار البعث. حيث أنكروا أن تعاد
الحياة للإنسان فيحاسب على أعماله.
تقليد الآباء. فقد قالوا: {حَسْبُنَا
مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [المائدة: 104].
كما ظن أهل مكة أن الكساد سيصيبهم. إذا
بطلت عبادة الأصنام وأعرض الحجيج عن مكة.
رأت قريش في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم غير ما توقعت، فقد بدأت الدعوة تنتشر بين مختلف
الفئات والطبقات، فبدأت تشن عليه حرباً شاملة، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في الأسواق والمنازل والأندية
والمواسم،
ويغتنم موسم الحج فيدعو القبائل.
فكانت قريش توجه وراءه من يقول عنه أنه
مجنون وساحر.
فكان يلقى الصد ممن يدعوهم.
اشتد أذى الكفار على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: " لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن
بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد " فكانت الهجرة إلى الحبشة.
الهجرة الأولى إلى الحبشة
وكانت في السنة الخامسة من البعثة.
وكانوا عشرة رجال وخمسة نسوة. وكان أميرهم عثمان بن مظعون.
ولقوا هناك حسن المعاملة، وأقاموا عدة
شهور، ثم عادوا إلى مكة، لما سمعوا أن قريش أسلمت، فعادت قريش إلى أذاهم.
إسلام حمزة بن عبد المطلب (عم
الرسول صلى الله عليه وسلم):
أسلم في السنة السادسة من البعثة، حيث
علم بعد عودته من رحلة صيد، أن أبا جهل شتم محمداً، فذهب إليه غاضباً، وشج وجهه
بقوسه وقال له: تشتم ابن أخي وأنا على دينه.
لما أسلم حمزة عرفت قريش أن
محمداً صلى الله عليه وسلم عزَّ، فقد كان حمزة أعزَّ فتًى في قريش.
إسلام عمر بن الخطاب
أسلم في نفس العام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا: " اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين
إليك
" عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام (أبو
جهل)،
وبعد إسلامه صار المسلمون يصلون ويطوفون حول
الكعبة.
طلب المعجزات
كان الكفار يطلبون منه المعجزات
والآيات لتعجيزه صلى الله عليه وسلم
، فمن ذلك طلبوا منه شق القمر،
فتحقق ذلك فقالوا: سحر. قال تعالى:
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ
الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}
[القمر: 1، 2].
وسألوه أن يجعل الصفا ذهباً، قال تعالى على
لسانهم:
{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ
لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ
وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ
السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ
قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي
السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا
نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
[الإسراء: 90 - 93].
وهذه لم تتحقق لحكمة أرادها الله.
فلو أنها تحققت ثم كذبوا بها، لأتاهم عذاب
الاستئصال كما حصل للأمم السابقة.
وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب،
يسألونهم عن أمره.
قالت لهم اليهود: سلوه عن الروح، وعن
رجل طواف، وعن أهل الكهف.
فنزلت سورة الكهف وفيها الإجابة. واستمر
العناد والضلال.
قول الوليد بن المغيرة في القرآن
استمع إليه فقال عنه: والله إن له
لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر. وإن أسفله لمغدق ... الخ، وقال ما هو
بمجنون، ولا كاهن، ولا شاعر، هو ساحر، فأنزل الله
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا
(11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ
لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ
لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ
(18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ
(21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ
هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 11 - 26].
كانوا يعلمون صدقه ونبوته، ولكنهم
كفروا حجوداً.
قال أبو جهل: تنازعنا وبنو عبد مناف الشرف، وكنا
كفرسي رهان.
فقالوا: منا نبي. فمتى ندرك هذا. والله لا نسمع
له أبداً.
صور من أذى الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم
أخذت قريش تفكر في كل وسيلة للتخلص
منه، حتى إنهم جاءوا إلى عمه أبي طالب بعمارة بن الوليد، وهو أحسن فتيان قريش.
فقالوا: خذه وادفع إلينا محمد نقتله.
فرفض بكل شدة. فهددوا بالحرب إن لم يفعل.
فبعث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخبره بأمرهم، ونصحه
بالكف عنهم.
فقال الرسول
صلى الله عليه وسلم: " والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في
يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه "، فقال له عمه: والله
لا أسلمك أبداً.
حصار بني هاشم في الشعب
اجتمع بنو هاشم على نصرة محمد، فقررت
قريش مقاطعتهم، فلا بيع، ولا شراء، ولا زواج، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف
الكعبة، فدخل بنو هاشم شعب أبي طالب.
ولبثوا ثلاث سنين حتى اشتد عليهم البلاء، حتى
أنهم أكلوا من أوراق الشجر، ثم اتفق نفر من قريش على وجوب نقض الصحيفة فواجهوا
بذلك قريشاً، وبعث الله (الأرضة) على الصحيفة فأتت عليها ولم تدع إلا: (باسمك
اللهم) وأخبر الله رسوله صلى الله عليه
وسلم بذلك فأخبر عمه.
فأخبر قريشاً واشترط عليهم إنهاء الحصار إذا كان
الأمر كذلك، فأخرجوها، ووجدوا كما أخبر، فانتهي الحصار، وعادوا إلى مكة.
الهجرة الثانية إلى الحبشة وإسلام النجاشي
لما دخل بنو هاشم في الشعب طلب
الرسول صلى الله عليه وسلم من المستضعفين الهجرة، فهاجروا بأمرة جعفر بن
أبي طالب، وكانوا 83 رجل و19 امرأة.
وأرسلت قريش برسالة وهدايا ورسل إلى النجاشي
تطلب ردهم فاستمع إلى دفاعهم، فاقتنع أنهم أصحاب حق ورفض ردهم.
وكتب الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي
يدعوه للإسلام فأسلم.
وفاة خديجة رضي الله عنها وأبي طالب:
كانت وفاتهما، بعد انتهاء الحصار بأشهر
(في السنة العاشرة من البعثة)، وقد حزن الرسول
صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً
لذلك.
واشتد أذى قريش للرسول بعد ذلك؛ إذ كانا يحميانه
من كل أذى.
وكان أشد قريش إيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم عمه أبي لهب وامرأته، وأبو جهل، وعقبة بن أبي
معيط.
وكان أذاهم يصل إلى درجة ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلقاء القاذورات عليه أثناء صلاته.
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف
أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر في قاعدة تحمي هذا الدين، فخرج إلى الطائف
ودعاهم،
فرفضوا وآذوه أشد الإيذاء، وأغروا به سفهائهم،
فسبوه ورموه بالحجارة حتى دميت قدماه،
فلجأ إلى حديقة لشيبة وعتبة ابني
ربيعة،
ثم خرج من الطائف فأرسل الله إليه ملك الجبال
يستأمره أن يطبق الجبلين على أهل مكة، فرفض، وقال:
" بل استأني بهم لعل الله أن يخرج من
أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ".
الجن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم
عندما صار الرسول صلى الله عليه وسلم بمنطقة نخلة (وادي بين مكة والطائف) قام من جوف
الليل يصلي فمر به نفر من الجن فاستمعوا إلى تلاوته،
فلما فرغ من صلاته، ولوا إلى قومهم منذرين قد
آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا. وأنزل الله في ذلك سورة الجن.
حادثة الإسراء والمعراج:
أُسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس راكباً على البراق، يصحبه
جبريل، وصلى بالأنبياء صلى الله عليهم
وسلم إماماً، ثم عُرج به إلى السموات،
فقابل الأنبياء. ثم صعد إلى سدرة المنتهي،
ثم إلى البيت المعمور ورأى جبريل على صورته،
وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه. وفرض الصلاة على أمته.
فلما أصبح في قومه وأخبرهم، اشتد تكذيبهما فوصف
لهم بيت المقدس.
وأخبرهم عن عير لهم في الطريق. فأبى
الظالمون إلا كفوراً.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وقال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى
(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ
هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ
فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى
(10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا
زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
[النجم: 1 - 18].
وهذه الحادثة تعتبر تكريم للرسول،
وتخفيف معاناة أذى الكفار عنه، وقد تعددت الروايات حول هذه الحادثة.
والذي نراه هو ضرورة أن نؤمن بالإسراء
والمعراج بصورتها الإجمالية الواردة في القرآن، دون الدخول في التفصيلات.
موافاة المواسم:
يئس الرسول صلى الله عليه وسلم من إيمان قريش، فبدأ يذهب إلى المواسم التي
تقام في الأسواق مثل عكاظ وذي مجنه وغيرها فيعرض نفسه على القبائل، ويدعوها إلى
الله وإلى نصرة دينه، وكذلك يعرض نفسه في مواسم الحج. وكانت قريش تحذر هذه
القبائل.
بيعة العقبة الأولى:
كان الأوس والخزرج (سكان يثرب) سمعوا
من اليهود بخروج نبي في هذا
الزمان.
فلما رأوه في الموسم عرفوا أنه
المقصود. فلقيه ستة من الخزرج وأسلموا على يده
صلى الله عليه وسلم ، ثم رجعوا إلى المدينة ودعوا إلى الإسلام. وفي العام
المقبل، قدم منهم 12 رجلاً وامرأة واحدة، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير ليعلمهم القرآن والإسلام،
فأسلم على يديه أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ سيدا
الأوس.
وبعد فترة لم تبق داراً في المدينة إلا وفيها
مسلمون، وقرروا دعوة الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة ونصرته في الموسم
المقبل.
بيعة العقبة الثانية وهجرة المسلمين إلى المدينة:
قدموا إليه، فقال لهم: " أبايعكم
على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ولكم الجنة "، فبايعوه جميعاً
ودعوه صلى الله عليه وسلم للهجرة إلى المدينة وكانوا 73 رجل وامرأتين، ثم
عادوا إلى المدينة.
أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا جميعاً
فلم يبق إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعلي. وهو ينتظر إذن الله.
عوامل ساعدت على دخول الإسلام إلى يثرب:
وقبل الحديث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم نقف وقفة صغيرة. لننظر للظروف التي ساعدت على
دخول الإسلام إلى يثرب. ويبدو أن أهمها:
عرب يثرب كانوا أقرب العرب إلى الأديان
السماوية لكثرة ما سمعوا من مجاوريهم اليهود.
كان يهود المدينة يهددون العرب بقرب
ظهور نبي وأنهم سيتَّبعونه ويبيدونهم، لذا كان العرب الأسرع إلى إتباع هذا
النبي صلى الله عليه وسلم.
كان عرب المدينة (الأوس والخزرج) على
عداء فكانت كل فئة تسارع إلى الإسلام لتقوى به على الأخرى.
الهجرة وبناء الدولة الإسلامية
التآمر على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم
انزعجت قريش من هجرة المسلمين وخافت أن
ينضم محمد إلى أتباعه. فيقيم لهم مركزاً حصيناً هناك، فاجتمعت قريش في دار الندوة،
وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد وتشاورت في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأشار أبو جهل باختيار شاب من كل قبيلة من قريش
ومعه سيف ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل وتقبل بنو عبد مناف
الدية.
فقبلوا وهنأه إبليس. فيحكي الله خبر هذه
المؤامرة فيقول:
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
مراحل الهجرة إلى المدينة:
الخروج من مكة:
جاء جبريل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما اتفق عليه القوم، وأمره بالهجرة تجمع
الكفار حول بيته، فخرج إليهم صلى الله
عليه وسلم وذر التراب على رؤوسهم فغشيوا.
قال تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس:
9].
ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر
رضي الله عنه وخرجا معاً.
ونام عليٌّ
رضي الله عنه مكانه صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ الكفار دخلوا فوجدوا عليًّا رضي الله عنه.
مضى الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى غار ثور، وجدَّت قريش في طلبهما،
حتى وصلوا إلى باب الغار.
فقال أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
" ما ظنك باثنين الله ثالثهما. لا تحزن إن
الله معنا ".
قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي
الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:
40].
كان عبد الله بن أبي بكر وعامر بن
فهيرة يأتيانهما بالأخبار.
وأسماء بنت أبي بكر تأتي بالطعام
والشراب، ولبثا في الغار ثلاث أيام ثم سارا إلى المدينة.
قصة سراقة بن مالك
جعلت قريش لمن يأتي بالرسول صلى الله عليه وسلم مائة ناقة، فجد الناس في طلبه، وكان منهم سراقة،
وكان قصاص أثر،
فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولما اقترب منهم،
دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فغاصت قدما فرسه في الأرض.
وتكرر ذلك، فقال: " إن الذي
أصابني بدعائكما، فادعوا الله لي ولكما أن أرد الناس عنكما "، فدعا له
الرسول صلى الله عليه وسلم. ووعده حينها
بسواري كسرى، (وتحققت له هذه النبوءة بعد فتح فارس).
قصة أم معبد:
مروا بخيمة أم معبد الخزاعية، ولم يكن
عندها طعاماً أو شراباً.
فمسح الرسول
صلى الله عليه وسلم بيده ضرع شاةٍ
عازبة مريضة جاهدة، فتدفقت حليباً فسقاهم وشرب، ثم واصلوا السير.
دخول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب (سنة 13 من البعثة، 1 هـ، 622 م):
كان الأنصار وهم الأوس والخزرج يترقبون
وصول الرسول صلى الله عليه وسلم بشوق.
ولما وصل خرجوا إليه فرحبوا به فما
فرحوا بشيء كفرحهم به.
نزل الرسول
صلى الله عليه وسلم بقباء خمسة
أيام.
فأسس مسجد قباء وهو أول مسجد أسس بعد النبوة.
ثم ركب نحو يثرب، وواصل، والقبائل تأخذ بخطام
راحلته، وهو يقول: " خلوا سبيلها فإنها مأمورة " حتى بركت في موضع بني
النجار، فنزل عند أبي أيوب، وأقام عنده.
التسمية الجديدة ليثرب والتأريخ بالهجرة:
أصبحت يثرب منذ ذلك اليوم تعرف
بالمدينة، وأصبح العام الذي هاجر فيه الرسول
صلى الله عليه وسلم بدءاً للتاريخ
الإسلامي، أو التاريخ الهجري.
وتؤكد أكثر الروايات أن عمر بن الخطاب هو أول من
أرخ بالهجرة بشكل رسمي ثابت. وكان ذلك في زمن خلافته.
وضع أسس المجتمع الإسلامي:
لم يقم المسلمون مجتمعاً إسلامياً في
مكة. لكونهم قلة مغلوبة، وبدأ الرسول صلى
الله عليه وسلم في المدينة بوضع هذه الأسس
العظيمة لخير مجتمع يترقبه التاريخ.
وأهم أسس هذا المجتمع الجديد:
1
بناء المسجد النبوي:
بركت الناقة عند موضع المسجد، فأمرهم
ببنائه، وبنى معهم، وكان ينقل اللبن والحجارة بنفسه، وجعل قبلته إلى بيت المقدس،
وجعل عُمده الجذوع، وسقفه الجريد، وبنى حُجَر أزواجه صلى الله عليه وسلم إلى جانبي المسجد، فلما انتهي بنى بعائشة رضي الله عنها
في شوال، وعرفت يثرب يومها بمدينة الرسول أو المدينة المنورة.
وكان المسلمون يلتقون في هذا المسجد للعبادة
والتعلم والقضاء والبيع والشراء والاحتفالات، وكان عاملاً كبيراً في التقريب
بينهم.
2
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فاقتسموا البيوت والنساء والأموال،
وكانت لهذه المؤاخاة قوة أخوة النسب، وبهذه المؤاخاة خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وحدة دينية بدل الوحدة القبلية.
3
معاهدة التعاون بين المسلمين وغير المسلمين:
كان بالمدينة ثلاث طوائف: المسلمون،
والعرب الغير مسلمين، واليهود (بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع)،
فوضع الرسول
صلى الله عليه وسلم معاهدة لضمان
الأمن والسلام، ولخلق جو من التعاون والتسامح بين هذه الطوائف.
4
وضع الأسس السياسية والإقتصادية والإجتماعية:
الإسلام دين ودولة. فكان لزاماً وضع
هذه الأسس، فاتجهت آيات كثيرة من القرآن في هذه الفترة إلى التشريع في كافة هذه
الجوانب، كما شرح الرسول صلى الله عليه
وسلم كل ذلك بقوله وعمله.
فعاشت المدينة الحياة الفاضلة،
السامية، فأخوة صادقة، وتكافل تام بين أفراد المجتمع.
تكون بذلك أول مجتمع إسلامي وضع
الرسول عليه السلام أسسه الخالدة.